عزيزتي الأم، عزيزي الأب ...
كلم ابنك كثيرا عن الفروق بينه وبين قريبه أو جاره أو صديقه في الصف الذي يجيد حفظ القران وتلاوته، أو هذا الولد الذي يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ضعه دائما في حالة مقارنة مع شخص أفضل منه في شي أو أكثر، وهكذا تزرع في روحه إحساسا بأن الله خلق أشخاصا متفوقين مثل هؤلاء وأشخاصا عاجزين مثله!
حدث ابنك كل يوم عن فضل الدعاء ودور القدر، عن عجزنا أمام أصحاب السلطة وملاك المال والعلم، عن انتظار الفرج والتوفيق دون أن تُحَدِّثَه عن العمل... وهكذا تزرع فيه بهدووووووء إحساسا بالعجز؟
احك لابنك كثيرا قصصا عن الأبطال، عن إنجازات آينشتاين الذي ولد ذكيا، ومحمد علي كلاي الذي ولد قويا، احك له حكايات مبتورة عن عظماء أصبحوا ملء السمع و البصر بسبب قدراتهم الخارقة.
ثم أضف لهذا الخليط من الهراء، نثرا يوميا من الملح والتوابل، أقصد أن تتركه يشاهد الأفلام ويلعب الألعاب عن سوبرمان، وكابتن اميركا، وسبايدر مان... هذه الشخصيات الخارقة القدرات، التي أصبحت هكذا خارقة بفعل القدر. سوبرمان الذي جاء من كوكب آخر وسبايدرمان الذي كان شابا هزيلا ولكن لسعه عنكبوت!
إن فَعَلَ ابنك شيئا مميزا فقل له أنت ذكي وإن أخطأ فقل له يالغبائك، إن رسم رسمة جيدة فقل له أنت مبدع، هكذا اكتملت أركان الهراء ووضعت في وعائها المناسب!
هكذا تكونون عزيزي الأب وعزيزتي الأم قد ارتكبتم قدرا هائلا من الموبقات التربوية
فقد زرعتم في ابنكم إحساسا كاملا بأن القُدرَة مجرد هبة من القَدَر، وأن التغيير مجرد قدر قد يريده الله أن يحدث وقد لا يريد، إنكم هكذا تلغون الركن الركين من كياننا كبشر، الذي يتمم ركن العقل، إنكم تلغون نصف وجودنا كبشر، إنكم تلغون الإرادة من وجودنا. تلك الهبة الإلهية التي بدونها لسنا بشرا ولا خلفاء الله في الأرض.
هذا بالضبط ما يفعله كثير من الآباء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
الحديث عن القدر دون حديث عن الإرادة والمثابرة والجهد خطأ فادح،
مقارنة ابنك أو ابنتك بآخرين مميزين بمواهب وقدرات خطأ فادح
سرد حكايات الأبطال التي تنسب إنجازاتهم إلى مواهب ولدوا بها خطأ فادح
مديحك لذكاء ابنك وإبداعه دون التركيز على المجهود الذي بذله والتعب الذي تحمله، خطأ شنيع
فالنجاح الحقيقي والتغيير الحقيقي لا يحدث بالدعاء، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وإنما يستجيب الله لمن يسعون ويبذلون وسعهم.
والموهبة مهما بلغت لن تنتج آينشتاين، أحمد زويل، موزار، جابرييل جارسيا مراكيز، نجيب حفوظ، أو غيرهم، دون جهد وتعب.
والأبطال الحقيقيون لم يصبحوا هكذا دون معاناة وثبات ومِحَن.
الأخطاء الفادحة الأولى تزرع في ابنك ما تسميه الباحثة كارول دويك Carol Dweck ، عقلية الثبات Fixed Mindset لأنها تجعله يؤمن إيمانا راسخا أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان... فالذكي ولد ذكيا والغبي لا سبيل أمامه لتعلم الذكاء.والقوي ولد قويا والضعيف لا مكان له في هذه الحياة.
والموسيقار ولد موسيقيا بالفطرة، ولا سبيل لمن لا يملك الموهبة.
لقدأثبتت كارول دويك بالبحث العلمي أن الذين يفشلون في حيواتهم هم من هذا النوع الذي يرى ألا سبيل للتعلم والتغيير، وأن الصفات فطرية. هذا النوع يهرب من التحديات ويبحث عن أقصر الطرق لتحقيق الأهداف دون رغبة في التعلم الحقيقي والامتلاك الحقيقي للمهارات. هؤلاء هم المتسلقون التافهون في كل مجال، أو الخنوعون الرابضون على هامش الحياة.
أما الناجحون فهم على العكس تماما يمتلكون عقلية النمو Growth Mindset، هذا النوع الذي يؤمن بأن التعلم ممكن، والتغيير ممكن، وأن القدرة كامنة في الإنسان لينمو ويتغير. وأن تعلم الإنسان لمهارة ما كي يجتاز بها تحديا، أفضل له من اجتيازه عقبة كانت سيقانه بحكم الجينات أطول منها!
أصحاب تلك العقلية هم الذين يغيرون حياتنا كبشر بالمثابرة والجهد، فالعلماء الأفذاذ والفنانون المبدعون والكتاب الرائعون والساسة المبهرون ليسوا إلا بشرا يمتلكون عقلية النمو وبها ثابروا على التعلم والجهد وقبلوا التحديات.
لعلك الآن تريد أن تنمي في ابنك عقلية النمو؟ تعال، خذ مني هذه االنصائح، سواء كنت معلما في مدرسة أو مربيا في بيت.
اشرح لطلابك أو أبنائك أن الجهد هو الذي سيغير مستقبلهم وليس ما يملكون من مواهب وقدرات. وقد تتطلب ظروف مستقبلية منهم قدرات لا يتقنونها، فالحل حينئذ لن يكون إلا في التعلم، ولا تعلم بدون جهد.
اعط طلابك وأبنائك أمثلة على أشخاص تعلموا أشياء لم يكونوا يعرفونها من قبل، وأتقنوا أشياء لم يكونوا موهوبين بها.
امدح أكثر الجهد والدقة والالتزام، وقلل من مدح الموهبة والقدرات الفطرية.
ركز على أن التعلم والتحسن يستغرق وقتا وأن المثابرة هي التي تميز مستقبل العظماء من مستقبل العامة. وأعط أمثلة وارو قصصا تؤيد ذلك.
شجع طلابك وأبناءك على التصدي للمهام الصعبة التي نتائجها غير مضمونة، روح المغامرة تميز العظماء، وأن التعلم الذي سيحدث سيفيد حتى لو لم تتحقق نتائج المغامرة الحالية . أعط أمثلة من حياتك الخاصة، وناقش ما تم تعلمه وكيف يمكن تطبيق التعلم في المستقبل.
تجنب وضع حدود للإنجاز بعبارات مثل "لقد بذلت قصارى جهدك". هذا يضع حدودا للجهد، وللنتائج بالتبعية، وأنهم لا يستطيعون تحقيق أفضل من ذلك. بدلاً من ذلك ، اقترح استراحة، أو البحث عن آلية مختلفة،
اقترح مناقشة استراتيجيات جديدة عندما يكون هناك صراع. التغيير في المنظور يفتح إمكانيات جديدة.
قدم فكرة المرونة العصبية (أي أن الدماغ يتطور ويتغير بمرور الوقت). نحن لا نقتصر على الدماغ والقدرات التي ولدنا بهو وبالتالي فقدراتنا تتغير أيضا بمرور الوقت.
علم طلابك وأبناءك أهمية الحديث الإيجابي مع النفس، وتقييم الذات بموضوعية، ومناقشة النجاحات والإخفاقات وأسبابها، هذا يشجع على المثابرة. علمهم كيفية مراقبة ودحض الحديث السلبي مع النفس.
طبق بعض المهام سواء في الصف أو المدرسة والتي تحتاج عملا لفترة زمنية أطول حتى يتعلموا المثابرة.
ختاما نقول إن عقلية النمو هي عقلية التعلم..فبدلاً من التركيز على أن تكون الأفضل أو على حق ، ستركز على ما تستطيع تعلمه، ومع التعلم تأتي القوة.
وهذا التفكير يحمينا من البقاء في أسر الدفاع عن أوضاعنا الرهنة، والاغترار بما نحن عليه، والدفاع دوما عن حالتنا كما هي حتى لو كانت سيئة.
باحث ومترجم في مجال التربية
مؤسس مشارك أكاديمية ارتقاء
Commenti