استراتيجيات الاستقصاء في تعليم و تعلم العلوم
المؤلف : دوجلاس ليويلين
نرجمة : أحمد الرويني
دار النشر : دار الكتاب التربوي للنشر و التوزيع
لم تعد طرق التدريس التي كانت سائدة قبل عدة عقود صالحة لتحقيق الأهداف التعليمية المرجوة في جميع المواد، ولم يعد دور المدرس أن يقف في مقدمة الصف ليحاضر في الطلاب فترة من الزمن يطرح عليهم عند نهايتها مجموعة من الأسئلة لا تستدعي الإجابة عليها أكثر من مجرد الحفظ والاستظهار، ولم يعد معيار نجاج المعلم في غرفة الصف مرهونا بمدى جودة خطته وممارسته التعليمية وإنما بمدى نجاح طلابه في تحقيق الأهداف التعليمية التي حددها لهم.
لقد تغيرت الأحوال وطال التغيير جميع جوانب العملية التعليمية، وظهرت نظريات في التعلم تقضي بأن التعلم إنما هو عملية بناء المعرفة من خلال الانتهاك النشط للمتعلم بعملية التعلم أكثر منه تلقي معرفة جاهزة، وهذا ما يعرف حديثا باسم النظرية البنائية، وطبقا لهذه النظرية فإن الطلاب يبينون المعنى والمعرفة بشكل فعال استنادا إلى معرفتهم وتجاربهم السابقة، والمعلم لا ينظر إليه على أنه وعاء من المعرفة وإنما هو مقشر وميسر ومعاون للطالب في البحث وحل المشكلات فالأطفال كما يقول Bransford يأتون إلى المدرسة ولديهم مدى واسع من المعارف السابقة، والمهارات، والمعتقدات والمفاهيم التي تؤثر بقوة على ما يشاهدونه ويدركونه في البيئات التي جاؤوا منها».
وقد أشار إلى هذا أيضًا كل من Pinget وVygotsky ومن هنا رأى البنائيون أن الاستراتيجيات التعليمية التي تقوم على المحاضرة وعلى نقل المعلومات من المعلم إلى الطلاب لم تعد صالحة لتحقيق المعايير التربوية الحديثة التي تحددها الجهات المعنية بذلك، وبخاصة في المواد العلمية.
فالمواد العلمية كالفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وغيرها من العلوم الطبيعية التي تتناول بالدراسة ظواهر طبيعية خاضعة للملاحظة والتجربة، لا يصلح معها استخدام إستراتيجيات تقليدية تقوم على المحاضرة والتفسير النظري، إنما - وهذا ما تؤكده أبحاث الدماغ - انغماس المتعلم في الخبرة التعلمية التي يهيئها له المعلم بمعنى أن يشارك فعليا في طرح الأسئلة ووضع الفرضيات وجمع المعلومات واستخلاص النتائج ... إلى غير ذلك من أساليب البحث العلمي واستراتيجية التقصي (أو الاستقصاء) التي يتناولها هذا الكتاب بالتفصيل هي من أبرز الاستراتيجيات التعليمية التي تنمي لدى المتعلمين المهارات والمعارف والاتجاهات اللازمة لهم ليصبحوا متعلمين مستقلين.